قاعدة في البدع

قاعدة في البدع
05/11/2006
السؤال : هل يعتبر اتخاذ المسبحة بدعة،وكيف يتم التمييز بين البدعة وغيرها؟


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وعلى آله الطيبين الطاهرين ،أما بعد:


فهذه مسألة بالغة الأهمية ، قد وقع فيها كثير من الناس بين الإفراط والتفريط،فمنهم من ينفي الحكم بالبدعة عن البدع الحقيقية في العقيدة والأحكام، ويطلق الأمور من غير قيد أو شرط، ومنهم من يدخل في البدع ما ليس منها،فينهى الناس عن أمور قد تكون من صلب الإتباع، وذلك راجع لأمرين اثنين ، ، الجهل في الدين من جهة، ومن جهة ثانية ، عدم الإحاطة الكاملة بالنصوص الشرعية،وعدم التفريق بين الوسائل والمقاصد،


وحتى نفهم المسألة فهماً صحيحاً،لا بد من وضع قاعدة عامة نستطيع من خلالها التفريق بين البدعة وغيرها

والقاعدة هي ( كل عبادة يؤتى بها تقرباً إلى الله سبحانه عن غير طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا تندرج تحت الفهم الراجح والمرجوح القائم على أصول شرعية صحيحة فهو بدعة) وعليه لا بد من التفريق بين ما يؤتى به تقرباً إلى الله سبحانه و يراد لذاته وهو ما يعرف بالمقاصد،وبين ما يراد لغيره لا لذاته ويعرف بالوسائل ،وكذا لا بد من التفريق بين الوسائل المحرمة شرعاً، والوسائل المباحة شرعاً، وبين الفهم القائم على أصول صحيحة قد يكون راجحاً وقد يكون مرجوحاً، وبين الفهم القائم على أصول غير صحيحة، فيخرج من البدعة أمران : الوسائل المباحة التي يستعان بها على العبادة الصحيحة،والفهم المرجوح المنبني على أصول شرعية صحيحة ، ومثال الوسائل المباحة التي تتخذ لغيرها المنبر ومكبرات الصوت في المآذن وغيرها، والمسبحة والخيط الذي يوضع في المساجد لتستوي الصفوف وغير ذلك، فهذه كلها ليست من البدع في شيء، لأنها من ناحية لا تتخذ لذاتها بل يستعان بها على عبادة صحيحة، ومن ناحية ثانية لم يرد دليل شرعي على تحريم اتخاذها،وأما القول بأنها لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،فهذا قول بين عواره ، فهل نقول إن مكبرات الصوت التي لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة؟ وهل وسائل النقل الحالية بدعة؟ فإذا كان الجواب لا لأن هذه وسائل وليست مقاصد. أقول كذلك القول في المسبحة والخيط وغيرها ، فهي وسائل وليست مقاصداً،فإذا اتخذت مقاصد أي أريدت لذاتها فهي بدعة ،وأما إن أريدت لغيرها فليست بدعة ، وكذلك فإن الفهم القائم على قواعد صحيحة أو على نصوص مختلف في ثبوتها وعدمه، فلا تدخل في البدع البتة، ومثال ذلك الاختلافات الفقهية التي وقعت من أعلام أئمة أهل السنة والجماعة، كأصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم ، فلا تدخل في البدع في شيء اللهم إلا إن كانت من تلك المسائل المخالفة للقاعدة التي تم بيانها، ولا زال الأئمة يختلفون ويكثرون من الخلاف دون أن يرمي بعضهم بعضاَ بالتهم العريضة التي نسمعها اليوم من الأدعياء وغيرهم ،ومن العجيب أن البعض أخذ يحكم بالبدع على مجرد مخالفة الرأي وإن كان رأيه مرجوحاً، وهذا كله بسبب ضيق الفهم والتقليد الأعمى الناشئ عن تقديس الرجال ، وأنت أخي الحبيب إذا فهمت القاعدة استطعت وبسهولة التمييز بين البدع الحقيقية المذمومة شرعاً ، وبين ما يظن أنه بدعة وليس كذلك ، ولكن ثمة قضية أخرى وهي متعلقة بالحكم على أصحاب البدع ، فهل يعتبر كل من وقع في بدعة مبتدعا؟ هذا الأمر يحتاج إلى تفصيل آخر والقاعدة : ( أن ليس كل من وقع في بدعة يعتبر مبتدعاً ) فلا بد من معرفة دقيقة لأحواله ، لأن المرء يقد يقع في بدعة ويكون مؤجوراً، وقد يكون معذوراً ، وقد يكون موزوراً ، وهذا التفصيل قد وفقني الله إليه بعد دراسة لأحوال المبتدعين، وبيان ذلك ، أن من تعبد الله بحديث رآه صحيحاً ولم يعرف ضعفه، أو من قلد عالماً موثوقاً في مسألة ظن مشروعيتها ولم يبلغه عدم ثبوتها من مصدر موثوق آخر ، وتقرب إلى الله سبحانه بها فهو مأجور غير موزور، وأما من ترجح عنده مشروعية عبادة ما من خلال فهم خاطئ وكان من أهل التثبت والإتباع ومحاربة البدع والأهواء ولم يبلغه علم يرجع فيها عن رأيه فهو معذور غير موزور ،ولكن من كان معروفاً بعدم حرصه على الإتباع أو كان محارباً لأهل السنة،ولا يرجع الأمور إلى قواعدها الشرعية فهذا هو الموزور ، وأما الحكم على المعين بأنه صاحب بدعة فلا يسار إليه حتى نقيم الحجة عليه ونغلق عليه أبواب الشبهة ثم يصر على ضلاله بعد ما تبين له الحق، فهذا هو المبتدع المذموم الذي تجري عليه أحكام المبتدعين نسأل الله العفو والعافية،أما من وقع في البدع عن جهل فلا نحكم عليه بكونه مبتدعاً حتى نقيم الحجة عليه،وهذا لا يعني أننا نرفع الحرج عنه بل ننظر في أحواله لنعلم من أي الأصناف هو والله سبحانه أعلى واعلم وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . 9/شوال /1427هـ

شكرا على الموضوع ونريد المزيد
ياربك الله فيك